أن ادق وصف لحالة امريكا في العراق هو الذي ورد في مقال عنوانه (الكارثة الستراتيجية الاعظم في التاريخ الامريكي) The Greatest Strategic Disaster in American History للكاتب الامريكي مارك وتني (اورك نيت انفو 27 – 11 – 2005 ) ، وترجمته ونشرته شبكة البصرة، اكد ان غزو العراق هو الكارثة الستراتيجية الاعظم في كل التاريخ الامريكي. هل بالغ؟ كلا فلقد سبقه هنري كيسنجر، اعظم المخططين الستراتيجيين الامريكيين المعاصرين، حينما حذر من ان انسحابا متسرعا للقوات الامريكية من العراق قد يؤدي الي كارثة سياسية وعسكرية (طبقا لوكالة اف ب 29 – 11 – 2005 ) ، واوضح كيسنجر الذي كان وزيرا للخارجية في ادارتي الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد ان الانسحاب من العراق قد يؤدي الي كارثة ، وقال في مقابلة مع محطة سي ان ان التلفزيونية يجب ان نتذكر دائما هدفنا فاذا تركنا العراق في ظل ظروف قد تؤدي الي قيام حكومة راديكالية فيه ،او ان يتحول جزء من هذا البلد الي ملاذ للارهاب، سيتحول الوضع الي كارثة ستؤثر علي العالم باسره . واضاف ان الطبيعة العالمية للارهاب تجعل من الصعب تحديد استراتيجية لانسحاب القوات الامريكية من العراق . كيسنجر هنا يعترف صراحة بان الاطروحة الرئيسية التي تسود اوساط صناع القرار الامريكي ومساعديهم هي الانسحاب وكيف ومتى ، وليس الانتصار .
وجاءت تصريحات كيسنجر وسط جدل محتدم في الاوساط السياسية الامريكية حول ما اذا
كانت القوات العراقية العميلة جاهزة لتسلم السلطة من الجيش الامريكي ، وحول ما اذا كان يجب وضع جدول زمني لانسحاب القوات الامريكية تدريجيا من العراق او الانسحاب الفوري . وقال يجب ان نسأل انفسنا بعمق: ما هو الوضع السياسي الذي يسمح لنا بسحب قواتنا والا نكتفي بالتفكير بمستوي تدريب القوات العراقية .
ان كيسنجر حينما يصرخ بصوت عال محذرا من الانسحاب دون خطة ، ورضوخا للضغط الهائل الذي تسببه عمليات المقاومة العراقية ، التي لم تتراجع ابدا منذ انطلاق الثورة المسلحة ، بل تصاعدت بمعدلات هندسية ، كيسنجر هذا يعرف ما يقول ومطلع تفصيليا على الوضع الحقيقي للقوات الامريكية في العراق ، وهو وضع كارثي تماما ، لذلك كرر هذا التحذير يوم 29 – 11 بعد ان اطلقه قبل اسابيع من هذا التاريخ .
اما الصرخة الاعلى والاصرح فقد صدرت عن النائب الديمقراطي جون مورثا الذي كان من اشد انصار غزو العراق ، حينما طالب بالانسحاب الفوري من العراق ، ففي كلمة له (ترجمتها ونشرتها شبكة دورية العراق) قال الحرب في العراق لا تجري كما هو معلن. انها سياسة خاطئة مغلفة بالوهم . والجمهور الامريكي سبقنا بمراحل. ان قوات الولايات المتحدة والتحالف قد فعلت كل مافي وسعها في العراق ولكن حان الوقت لتغيير المسار. جيشنا يعاني. مستقبل بلادنا في خطر. اننا لا نستطيع ان نستمر في المسار الراهن. ومن الواضح ان الاعمال العسكرية المستمرة في العراق ليست في صالح الولايات المتحدة الامريكية او الشعب العراقي او منطقة الخليج) . واضاف مورثا (لقد قال الجنرال كيسي في جلسة استماع ايلول 2005 " ان مفهوم الاحتلال في العراق هو قوة حافزة كبيرة خلف التمرد" وقال الجنرال ابي زيد في نفس الوقت "ان تقليل حجم قوات التحالف وتواريها عن الانظار هو جزء من ستراتيجيتنا لمكافحة التمرد.) واضاف : (ان الخطر الذي يمثله الارهاب حقيقي ولكن لدينا اخطار اخرى يجب الا نتغافل عنها . يجب ان نستعد لمجابهة كل الاخطار . ان مستقبل جيشنا في خطر. ان جنودنا وعائلاتهم يعملون فوق طاقتهم . والكثير يقولون ان جيشنا قد كسر. بعض جنودنا يذهبون للمرة الثالثة. والانضمام الى الجيش يتضاءل حتى بعد ان خفض الجيش المعايير المطلوبة). من يقرأ ما يقوله مورثا يعتقد بان امريكا تقاتل الاتحاد السوفيتي لان تعابير (مستقبل بلادنا في خطر ) و(جيشنا ينكسر) و (اننا لا نستطيع ان نستمر في المسار الراهن) و ( ان مستقبل جيشنا في خطر ) و (الجيش يتضائل ) ... الخ ، ان تعابير كهذه لا تستعمل الا حينما تقف القوة الاعظم عاجزة ومهزومة امام قوة اعظم منها ، وهذه القوة الاعظم من امريكا ليست اتحاد اوربا او الصين او روسيا بل المقاومة الوطنية العراقية .
ويوضح مورثا كيف ان المقاومة العراقية هي القوة الاعظم حينما يتناول اضرار غزو العراق الخطيرة على امريكا اقتصاديا واجتماعيا فيقول : (وقد خفضت ميزانية الدفاع. ومصاريف الموظفين ارتفعت في السماء خاصة في مجال الرعاية الصحية. يجب ان نقرر خياراتنا. اننا لا نستطيع ان نسمح بالتنصل من الوعود التي قطعناها لعائلات الجنود في قضايا المنافع والرعاية الصحية ; كما لا يمكن ان نتملص من البرامج التي تضمن تفوق جيشنا . يجب ان نكون مستعدين . لقد سببت حرب العراق نقصا هائلا في قواعدنا في الولايات المتحدة.(
ويعترف مورثا بان (الكثير من معداتنا الارضية مهتريء ويحتاج اما الى اصلاحات جادة او الاستبدال. لقد قال جورج واشنطن :" الاستعداد للحرب هو احد اهم الوسائل الفعالة للحفاظ على السلم " يجب علينا اعادة بناء جيشنا. ان عجزنا يفلت من السيطرة . لقد اعترف مدير مكتب المزانية في الكونغرس مؤخرا بكونه (مرعوبا) من العجز في الميزانية خلال العقود القادمة .ان هذه اول حرب مطولة حاربناها مع ثلاث سنوات من تخفيض الضرائب وبدون التحريك الكامل للصناعة الامركية وبدون تجنيد. ان عبء هذه الحرب لم يوزع بشكل عادل والجيش وعائلاتهم يتحملون كل العبء).
ويقدم مورثا بصراحة الغطاء ، او السيناريو ، الذي يحفظ ماء الوجه عند الانسحاب الفوري فيقول : (ان جيشنا يحارب في العراق منذ سنتين ونصف. لقد انهى جيشنا مهمته وقام بواجبه. لقد اعتقل جيشنا صدام حسين واعتقل او قتل اقرب مساعديه. ولكن الحرب تستمر بشدة . ويتزايد عدد الجرحى والقتلى وهناك اكثر من 2079 حالة وفاة مؤكدة واكثر من 15 الف اصابة خطيرة ويقدر بأن هناك اكثر من 50 الف سوف يعانون من وهن القتال.وهناك تقارير بوفاة على الاقل30 الف عراقي.(
[i]