أنا وأنت ورضا .. ضحايا مصاصى الدماء
بقلم : أسامة الهتيمى
أنا اسمي رضا وأمي متوفاة وأبي معاق ومحتاج للعلاج إن شله اتشل لو إنه الكلام ده مش جد .. ولي خمس أخوات أرجو أن يساعدني أحد وصلوا على النبي ووحدوا الله واللي في قلبه رحمة يساعدني .
هذه هي الكلمات المكتوبة على ورقة تم تصويرها عشرات النسخ قامت بتوزيعها فتاة يتراوح سنها بين الرابعة عشر والسادسة عشر على ركاب عربات المترو .
وهي ليست المرة الأولى التي تقع في يدي مثل هذه الورقة فدائما أرى مثل هذه الفتاة المسماة رضا .. والتي تنجح بالطبع عبر هذه الورقة في أن تستعطف العشرات من أصحاب القلوب الرحيمة فتحصد العشرات من الجنيهات في كل عربة من عربات القطار .. وبحسبة تخلو من الحقد والحسد يمكن لمثل هذه الفتاة أن تجمع أكثر من خمسين جنيها خلال نصف ساعة فقط وهو تقدير ربما يزيد أو يقل قليلا .وقد حاولت مرارا أن أقنع من أجلس بجواره وأستشعر تعاطفه مع مثل رضا ويقوم بإخراج ما يظن أنه يتصدق به أن هؤلاء يتاجرون بمشاعركم وأنهم ليسوا في حاجة حقيقة .. وأن مثل رضا هذه ما هي إلا نموذج لمئات النماذج التي تتربح من أمثالكم .. هؤلاء الذين انجرفوا وراء مشاعرهم الدينية التي صورت لهم أن مثل هذا الفعل من باب الصدقة .
وأحاول أن أورد لهؤلاء الكثير من الأخبار التي تتناقلها العديد من الصحف لوصف حال هؤلاء ومدى ما وصل إليه بعضهم من الثراء .. إلا أنني للأسف أراني فاشلا في كل مرة وأري مثل رضا أمام عيني تحصل على ما تحصل عليه وهي ما زالت مكفهرة الوجه ينطبع عليها علامات الحزن استكمالا لدورها التمثيلي حتى لا ينفضح أمرها .
وأراني بعد لحظات تنتابني حالة غريبة من الضيق ربما يدفعني إلى ذلك أحساس بأن رضا يمكن أن تكون صادقة ، لكنها على أي الأحوال طماعة ، أو أن يلح علي التساؤل " لماذا يعني اتشطرت على رضا بالذات عشان هي مسكينة، طيب ما البلد فيها حرامية كتار وكبار مصوا دم البلد ولا يعني الواحد ما ييجيش إلا على الضعيف" ، إذا كنت تريد أن تصلح وتغير الفساد ما تبدأ من الكبار واللى انت خايف ذي ما كل الناس خايفة ، ويأتي السبب الأخيروالمتمثل في هذه النظرات التي تأتيني ممن حولي وحسبت أنني أقدم لهم النصح وكأنهم يقولون لي يا أخي حرام عليك اش عرفك انها كذابة بلاش افترى لأحسن تكون في يوم من الأيام زيها" .
ولأنني مع نفسي الآن وبعيدا عن هؤلاء الناس أحاول أن أبحث عن تفسيرا لظاهرة رضا - إن جاز لنا أن نسميها بهذا الاسم - وهل ما تفعله يمثل جريمة وإذا كانت جريمة فلماذا يساعدها الناس وهل هؤلاءالناس مخطئون أم أن حسن نواياهم تغفر لهم خطاياهم .. ولماذا تترك السلطات رضا هل لأنها قصرت في حق رضا فتركتها تأخذ حقها من الآخرين أم لأن السلطات ترغب في أن يحصل المصريين على جزاء يمكنهم من دخول الجنة كتعويض لهم عن عذاب الدنيا .
لكن رضا ليست هي القضية الأولي التي أعطيها من الوقت والجهد تاركا ما يستحق أن أبذل فيه طاقتي بل أدعو كل المخلصين أن يشاركوني في أن نكون جيشا من المدافعين عن حقنا وحق رضا في أن نحيا حياة كريمة أو حتى على الأقل أن نقضى على أي مبرر يدعو أمثال رضا لأن يستغلوا مشاعر الناس ويستنزفوا ما فى جيوبهم ، فكلنا ضحايا أنا وأنت ورضا ومن بعدنا أبنائنا .. ضحايا لهؤلاء الذين يمصون دمائنا ليل نهار دون رحمة أو رأفة ودون إدراك واع منهم بأن دمائنا كادت أن تنتهي وبعدها لن يجدوا ما يمصوه فتنقلب عليهم الدائرة .
ماذا تمثل رضا لهذا الذي كان يسيطر على مبنى الإذاعة والتلفزيون ويتقاضى راتبا شهريا مثبتا في الأوراق الرسمية قدره أربعون ألفا من الجنيهات .. ومع ذلك لم يكتفى واتخذ من الرشوة أو ما يسمونه بالزيس وسيلة أخرى لتضخم الرصيد وتأمين المستقبل .
بل ماذا تمثل رضا لهذا الذي تولى 90 % من المناصب القيادية في وزارة الزراعة المصرية - أهم وأخطر وزارة في بلادنا - وكان يحصل على مليون جنيه شهريا والتي أيضا مثبتة في الأوراق الرسمية .
وما تكون رضا لهؤلاء الذين سحبوا أموال البنوك بالمليارات - وهي مبالغ لا نستطيع عدها بالوسائل الطبيعية - بحجة الاستثمار والمساهمة في اقتصاد مصر وفجأة هربوا بلا عودة ليعيشوا في قصور أوروبا ونواديها .
إنني وعقب القبض على يوسف عبد الرحمن وكيل وزارة الزراعة وأحد المسئولين عن سرطنة المصريين سألت عددا من رجال قريتي - الذين أسأل لهم الجنة - في جلسة مسامرة وقد أثاروا القضية تفتكروا كم يتقاضي أعلى موظف في مصر .. فأجابني أحدهم 500 جنيها فضحكت فقال آخر 1000 جنيها فضحكت فقال ثالثهم وهو مدرس أكبر مرتب لا يزيد عن 2000 جنيها فعلت ضحكاتي وقلت لهم هذا أعلى راتب يمكن أن تتخيلوه .. وقذفتهم بالقنبلة وقلت لهم إن يوسف عبد الرحمن يتقاضى رسميا مليون جنيه فنظروا إلي نظرة استياء وكأنهم يقولون شوفوا الواد يظهر اتجنن .
والحقيقة إن الأمر يصيب بالجنان .. فكيف في بلد أكثر من نصف شبابه يحلمون بوظيفة يتقاضون منها ولو 150 جنيها ومع ذلك لا يجدونها فيها من يتقاضي مليون جنيها أو أربعين ألفا من الجنيهات ..بل إن هناك وأقسم على ذلك من يتقاضى أقل من مائة جنيها وهو سعيد فهو أفضل من غيره الذي لا يجد عملا من الأساس .
أين أنت يا رضا من كل هؤلاء وهل أنت حتى ولو كاذبة تستحقي العقاب أم أن العقاب يجب أولا على هؤلاء حتى نطهر البلد من أمثالهم .
وللحديث بقية
يا ريت ترد يا كريم مش انت بتقول الحكومة موفرة كل حاجة اتكلم انا مش متكلم